الاثنين، 10 مايو 2010

الواسطى المناضلة (2)رحلة من ضمير التاريخ إلى بوابة الحداثة
كان لباب شخصيات وأماكن لها تاريخ مع الواسطى لقاءً فى حلقة سابقة قبل أن تدخل الجريدة فى لقاءات لعددين متتاليين مع عبقرية الأمكنة فى بنى سويف وهى تصنع لثورة 1919 مكانتها على أمتداد تاريخ المحروسة .
الواسطى المكان بعبقريته وشخصيته بالأسم والمسمى الواسطى قصة الأرض وأمتدادها كوليد جغرافى وحضارى وبشرى بين النيل والسكة الحديد كانت هى قصتنا مع بداية رحلتها من ضمير التاريخ والتكوين الأول ..إلى رحلتها مع الحداثة الدائمة والمتكررة .
وفى هذا العدد ندخل مع عالم عبقرية إنسان الواسطى ــ المدينة المناضلة ــ وقصة صناعته لتاريخ إقليمه ووطنه ومشاركته فى نضال أرض الإنسان من أجل قيمه العليا ، رحلة مع أبناء الواسطى أبطال الوطنية والعسكرية .
الواسطى صانعة الأحداث وأرض الأمل والإستثمار والدفء والنسمة الندية والطربة الخصبة على أوسع مجرى ساحر لنيل مصر العظيم ــ النيل النجاشى الأسمر ــ الذى وهبنا مصر ووهب الواسطى سحر شاطئه وأسرار موجه الهادئ الذى ينام دائماً فى حضن الأسرار والأخطار .. ويجرى هانئاً قريراً فى صدر واحدة من عواصم الروح فى كل العصور مع مسيرة التاريخ منذ فجره الباكر .
هذه الواسطى كانت أم لهيب الثورة وعرين الأسد فى أحداث رجال بنىسويف مع المقاومة أختلط ترابها مع الدم وعرق أكتاف الرجال القائمين على تدمير القطارات والقضبان والشهداء الأماجد المتأرجحين على أعواد المشانق .
بريطانيا تحرق الواسطى .. انتقاماً لخيبتها فى مواجهة محطة السكة الحديد
الكاتب المؤرخ الدكتور مصطفى النحاس جبر كشف فى مؤلفه الهام سياسة الإحتلال تجاه الحركة الوطنية 1914 ــ 1936 م والصادر عن الهيئة المصرية لكتاب عام 1985 م وفى الصفة رقم 81 على وجه التحديد ذكر خبراً لحدث هام أهمله الكثير من المؤرخين فى مصر وأهملناه فى بنى سو يف ، ولم نضعه فى تقرير تاريخى واحد عن ثورتنا العارمة ضد الإنجليز فى ثورة 1919 أو مواقفنا المحترمة وسط شعوب الدنيا.
فقد كانت الواسطى هى المدينة السويفية الوحيدة التى تعرضت للأحتراق على أيدى القوات البريطانية إنتقاماً لأحداثها الملتهبة التى هزت هيبة بريطانيا وشغلتها طويلاً وأجبرتها طائرات عسكرية وقوات دائمة قائمة بالواسطى وتخصيص طائرات من قوات التاج الملكى البريطانى الحربى لمراقبة مدينة الواسطى وقراها وبشكل دائم !!
والذى حدث أن القيادة البريطانية العامة أصدرت إنذاراً فى 20 مارس 1919 بإحراق القرى الأقرب من مكان تدمير السكك الحديدية كما هدد القائد العام نفسه بتخريب هذه البلاد أيضاً 0
جاءت هذه القرارات الهستيرية بسبب مأكده المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى فى كتابه "ثورة 1919 فى الأقاليم " من الوثائق البريطانية وهوإن إتساع حركة قطع السكك الحديدية وتدمير المحطات أجبرت قوات الإحتلال على تسيير كتائب طوافه من الجنود المسلحين لفرض الهدوء بالإرهاب ، كما عمدت القيادة لأصدار أمر عسكرى بعدم مبارحة الأهالى مساكنهم ليلاً من التاسعة مساءاً وحتى الرابعة صباحاً ومنع انتقال سكان القرى من قرية إلى أخرى بين غروب الشمس وشروقها ومع إستخدام الخفراء للمحافظة على السكك الحديدية بعد غروب الشمس ـ فقد لاحظت أن إتلاف الخطوط كان يقع ليلاً وأن الخفراء المصاحبين لقوات الإنجليز كانت تغافلهم وتحرص الأهالى على مزيد من التدميرــ لكن كل هذه الإجراءات التى سبقت أحداث محطة سكه حديد الواسطى الدامية والملتهبة لم تفلح فى قمع الثورة أو إرهاب أبناء الواسطى مع أبناء مصر فى كل مكان من المواجهة رغم الأستعانة بطائرات الأستطلاع والمواجهة لحراسة القطارات المسلحة على وجه الخصوص ومقابلة أى تذمر بالرصاص والقنابل .
وبعد اشتعال الأحداث فى الواسطى بهذا القدر من الخطورة والعنف أصدرت القوات العسكرية قراراتها السابقة بالتنكيل بالفلاحين والمواطنين عموماً وتنفيذ قرار الحرق للقرى والمدن والأشخاص الذين رفضوا انذارات السلطة بوقف الأعمال الثورية .
وفى جنون أكمله هستريا الخوف وسواد الحقد قامت قوات التاج البريطانى ــ عصابة الإرهاب الأولى فى تاريخ الإنسانية ــ بحرق العديد من قرى مصر وكان نصيب بنى سو يف من قرارات الحرق ـ حرق مدينة الواسطى انتقاماً منها وتأديباً لأهلها على أحداثها الدامية التى لم تتوقف عند مجرد قتل آرثر سميث حرقاً على محطة سكة حديد الواسطى .
الكاتب الدكتور مصطفى النحاس جبر أكد هذه الحقيقة فى كتابه "سياسة الإحتلال تجاه الحركة الوطنية 1914 ــ 1936 " الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1985 وعلى وجه الخصوص فى الصفحة 81 .
كان احتراق الواسطى يوماً ما إضاءة لطريق ثوار مصر المحروسة نحو الحرية فهل يتذكر هذا التاريخ أبناء بنى سو يف والمسئولون الرسميون عن الأحتفال بالأعتبار القومى لتاريخ مصرنا على ترابها ــ ياريت وعمر كلمة ياريت ــ ماتعمر بيت !!
سقوط مفكر
فكرى أباظة ...بسلامته!!
جامل الإحتلال ووصف ثوار الواسطى بالأشرار!!
فكرى أباظة الذى ينحدر من أصول تركية ودماؤه أوربية فائرة يبدو أن دفء المقعد فى منصبه الصحفى اللامع أنساه أصول التحدث عن صانعى تاريخ الكرامة الوطنية فى بنى سو يف بالأدب اللازم .. الرجل سقط سقطة سوداء لم يغتفرها له تاريخ الوطنية أيزاء موقف العار الذى أنحدر إليه قلمه فى كتابه الضاحك الباكى وقت أحداث قطا الإنجليز القادم من الفيوم إلى الواسطى .
كان الثوار قد نظموا هجوماً كاسحاً على قطار الإحتلال الذى يمر بكل الحرية على عرض ترابنا ويسود بهباب مدخنته شرف كرامتنا ، كان القطار قادماً من الفيوم وهجم عليه الثوار شأن كل أحرار الدنيا الذى قرأ لهم المفكر أباظة وسمع عن رجولتهم فى طفولته وصباه ، كان من بين ركاب القطار مفتش بوزارة الداخلية وقد تمكن الركاب الأوروبين من النجاه من غضب الثوار بأعجوبة وأستولى المهاجمون على كل ما يحملونه من متاع ومال
فكرى أبو أباظة إياه أطلق فى كتاباته على هؤلاء الثوار لفظ "أشرار " وفى موضع أخر يقول : " وكانت خليط عجيب من طلاب الأستقلال وطلاب القوت ، وخليط غريب بين الكفاح القومى والإشتراكية الساذجة "يقصد زحام الثائرين الغاضبين حول القطار المذكور " .
كان أباظة مدلساً كبيراً وهو يحاول تزوير البطولة ليصفها بأنها سطو وشغل عصابات ، وطاوعه قلمه وشرفه وفكره على ذلك !!
الدكتور فرغلى على تسن ــ مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية أداب المنياــ لم يتركها لأباظة بعد 83 سنة كاملة فرد عليه فى بحثه عن ثورة الفلاحين فى بنى سو يف مارس 1919م خلال مؤتمر ببنىسويف على مر العصور والذى عقد فى فبراير 2002م قائلاًُ لأباظة الذى أصبح فى موقف العدل بين يدى الله :" ولكن ــ أى يافكرى ياأباظة ــ ألم يكن الإنجليز أشرار ؟! فمن أين لهم بثوار أخيار ؟! "أما الأعتداء على أملاك المصريين كالأعيان مثلاً فهكذا الثورات ــ نعم ــ كنار تأكل اليابس والأخضر "
كان يجب على المفكر القديم أن يعلم وهو يكتب عن الثوار الشرفاء أن هناك فرق بين "الأباظة " و "البوظة "!!
البطل محمدأحمد بهاء
ابن الواسطى جهز لتدمير قطار إنجليزى عسكرى وأنقذه يحي إبراهيم رئيس الوزراء من السجن
لم يؤرخ بعد مهمة المسئولين القومية لأحداث أبطال الواسطى فى تأديب وتهذيب الأسد البريطانى المغرور المدجج بالسلاح الحديث والقوة المادية المتوحشة .

أبطال كثيرون مازالوا مجهولين تحت ستائر تراب النسيان بينما أنصاف الرجال مما أدمنوا "التنطيط" على المواقع ومراكز القرار ووضعوا صور التافهين والمهمشين وخادمات حرملك القصور وموقدى المباخر لعساكرالأنقلابات على كراسى التاريخ المصرى بلاحياء ولاخجل .
المواطن الوسطاوى محمد أحمد بهاء هوأحد هؤلاء الأبطال المنسين لكنه كان يوماً الشغل الشاغل لنائب الأحكام الإنجليزي وقائد عسكرى الواسطى الأستعمارى ورئيس محكمتهم المغرور المتعجرف، كانوا يحاولون استنطاقه بالعنف والتعذيب ووضعوا له ديباجة إتهام تحيط هامة بلده كلها الواسى بالفخار ، لأنه وحده كاد أن يحم قطار عسكرى بمحطة الواسطى .
البطل المجهول حتى الآن لا أحد يعلم فى أى شاع بالواسطى ولد ، ولا أين قبره الآن ، لكن وقائع بطولته مسجلة بسرعة وفى سطور قليلة فى مراجع ثورة 1919 المحترمة .
كان محمد أحمد بهاء مصرياً غيوراً كانت أحدث الغضب والغيرة الوطنية تأكل قلبه وجنود الإحتلال يحكمون مصر محروسة الخالق بالحديد والنار، يدمرون المزارع ويعلقون المصريين من أقدامهم كالذبائح بلاجريمة سوى غضبهم على حرمانهم من الكرامة وتصديهم لحماية أموالهم وأرضهم وأعراضهم .
أنتهزأحمد بهاء " هوجة " الثورة ــ كما تعود الفلاحون أن يطلقوا هذه التسمية على أحداث الثورة ــ كانت المئات تتدافع نحو القطار الذى أخرج منه الثوار "خواجه" كبيروهو يصرخ بين أيديهم وهم يقذفون به إلى فرن القطار المشتعل .
كان الرجل الوسطاوى محروم القلب من استعباد الإنجليز يريد أن يفعل شيئاً وتلفت حوله وسط آلاف أبناء الواسطى والقادمين من قراها بينما رجال البدو بخيولهم تتعالى صرخاتهم وتلمع سيوفهم ــ هم من أبناء قبيلة الباسل الذين تقاطروا من الفيوم ــ ليحطموا فى طريقهم معظم قضبان السكك الحديدية حتى الواسطى ، أصروا أن يفعلوا شيئاً وشيئاً كبيراً يعادل كل مايفعله هؤلاء ويزيد من خسائر العساكر الخواجات الذين يشبهون " الديك الرومى "فى كبرهم يطأوون أرض الوطنين المصريين ويخاطبوهم خطاب العبيد .
ولم يجد الرجل إلا أن ينجى بنفسه وسط محطة الواسطه الكبيرة ويختار قطاراً عسكرياً جاهزاً تحت أوامر قيادة الواسطى وراح محمد بهاء يعالج جسد القطار وتركيبات عجلاته وفرامله الممدودة بالخراطيم والمواسير وهويمسك بآلة آنس بقدرتها على التحطيم والتدمير وراح فى هوس وغضب يحطم تجهيزات القطار وأجبانه إلا أن بعضاً من الجنود الكثيفة والتى كانت تتجمع فى مجموعات متلاصقة ومتناثرة لمحته من بعيد وقامت بحصاره على الفور ووضعت فى يده الحديد ثم عرض بعدها على محكمة الواسطى العسكرية لينال شرف الحكم بالأشغال الشاقة .
ولم ينقذ الشاب الوسطاوى الثائر بعدها إلا تعيين يحي إبراهيم باشا رئيساً لوزراء مصر ووزيراً لداخليتها عام 1923 م .
وكان الرجل وطنياً غيوراً ومصرياً ديمقراطياً حراً عمل طوال حكمه على تدعيم الوطنية والقانون ومنع أعتقال الزعيم الشعبى سعد زغلول فى مدة رئاسته وأطلق سراح أصحابه الذن كانوا مبعدين عن وطنهم بل وأفرج عن الكثير ممن تمت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية ، وكان من بينهم فارسنا الوسطاوى البطل "محمد أحمد بهاء"حيث تم الأفراج عنه ،كما تم بعدها الأفراج عن معظمهم ــ غيرالمحكوم عليهم بالأعدام ــ فى وزارة سعد زغلول .

أول محكمة عسكرية فى تاريخ الواسطى

عقدها الإنجليز لكسر أنوف "الواسطوية " بعد أن فقأوا عين أم امبراطوريات الدنيا !!
من المؤكد أن " الوسطاوية " ثوار 1919 قد دمروا تماماً محطتى الرقة والواسطى وأحرقوهما فى وجه جنود الإحتلال الإنجليز كانت السلطات البريطانية قد أتفقت مع الحكومة على وقف المحاكمات العسكرية ومضى عام على تنفيذ هذا الأتفاق كما يؤكد الرواه والمؤرخون بل أن وزارة محمد سعيد باشا نفسها كانت قد أتفقت مع السلطة البريطانية فى يوليو 1919 على وقف المحاكمات العسكرية ذاتها ، وإحالة من لم يحكم عليه بعد من المتهمين إلى المحاكم الجنائية الوطنية .. كما أكد الرافعى والكثير من المؤرخين .
ولكن السلطات البريطانية أغلب الظن فى تأكيد المؤرخين لم تطمئن للمحاكم المصرية فى أن تأخذ عناصر الثورة بالشدة والقسوة على رأى الرافعى وهو ما يعد معجزة للشعب المصرى كله والقضاء المصرى عموماً.
وفى هذا الإطار جاءت مؤامرة محاكمة أبطال الواسطى، رجال بنى سو يف الحقيقيين فى ثورة 1919 أمام شموخ مصر المحروسة وعرضت قضية الواسطى كما ذكرها المؤرخون بذات النص أمام محكمة عسكرية ، عقدت بالواسطى فى شهر يونية وكانت من أهم قضايا الثورة ، وكانت وقائعها تشبه وقائع ثورة ويرسواس بالمنيا وقتها .
قدم الإنجليز والخونة من أنصارهم للمحاكمة العسكرية الإستثنائية التى عادت إليها أنجلترا المكسورة مرة أخرى، وفرضت إجراءاتها على 11 شخصاً تم توجيه الإتهام بالقتل لثمانية منهم وهم (أمين عبد القادر ، عبد السيد شحاته ،محمد شحاته ، محمد إبراهيم خالد، بدوى الديب ، عبد الجواد جابر ،عبدالله أبوزيد وعبد المحسن خالد) كما تم توجيه الأتهام لثلاثة آخرين بمساعدة القتله ومشاركتهم فى الجريمة وهم (أمين بك الريدى ، السيد خالد و جابرإبراهيم) .
أما الأحكام التى أعلنها القاضى الإنجليزى الموتور فكانت تنطق بالشر والحقد حيث حكم فى هذه القضية ـ بعد تعديل القائد العام ـ بالأعدام على كل من ( عبدالسيد شحاته ، أمين عبدالقادر ، عبدالله أبوزيد ) ونفذ فيهم حكم الإعدام فعلاً ، كما حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على ( أمين بك الريدى) وحكم على (بدوى الديب) بالسجن خمسة عشر عاماً وأفرج عن الباقين .
وهكذا حققت قيادة الإحتلال والشر فى مصر فى محكمة الواسطى العسكرية المخصوصة أنتقامها من مدمرى محطات السكك الحديدية المصرية فى وجوه الإحتلال ، وكان هؤلاء قد أشعلوا ثورة التدمير فى محطات بولاق الدكرور والبدرشين والحوامدية والواسطى بجانب تعطيل كوبرى قشيشة التاريخى بين الواسطى وبنى سوف ودمروا خطوط السكة الحديد من الفيوم وحتى الواسطى ذاتها .
إلا أن بريطانيا العظمى بجلالة قدرها وعظيم ترسانتها العسكرية وجيوشها المدججة ــ أخمص قدمها بالسلاح ..لم تستطع أن تعيد المواصلات بالسكة الحديد بين الواسطى والفيوم إلا يوم25مارس فقط .

تاريخ مالم يهمله التاريخ عن رجولة بنى سويف

ثورة الواسطى عام 1919 .. كانت غضبة الدم الصارخة فى كل أحداث الصعيد ضد الإنجليز
تميزت ثورة مدينة الواسطى عام 1919 بالحشد الغريب والعجيب لكافة فصائل المقاومة فى بنى سويف ومعظم أقليم شمال الصعيد ، حيث أنطلقت المحافل الشعبية من البدو وعرب الباسل بالذات مع أهل الواسطى وقواها تجمهراً بالآلاف بما يقرب عدد سكان المدينة ذاتها فى ذلك الوقت !!
فقد أنتقلت شرارة الثورة إلى الواسطى المدينة الهادئة التى أنست أهلها السعى وراء لقمة العيش بين خدمة النهر والأرض وأكبر محطات السكك الحديدية بالمحافظة .
كانت الأحداث ضارية تأتى أخبارها من بنى سويف وسط الغضب ودعوات الثأر ، لكن ضراوة أحداث الواسطى بعدها شيئاً أخر .
ٍالمؤرخ الرافعى فى كتابه تاريخ مصر القومى عن ثورة 1919 وشاركه فى ذلك المؤرخ عبد الرحمن فهمى فى مذكراته عن يوميات مصر السياسية وأيضاً برقيات ورسائل"الجنرال واطسون" القائد العام للقوات البريطانية فى مصر إلى إدارته بلندن أكدوا كل ذلك وأثبتوا خطورة أحداث وقلاقل وغضبة شعب الواسطى على الإحتلال وقواته وأفراده على السواء.
بدأ سيناريو الأحداث يوم 15 مارس حينما هاجم أبناء الواسطى والرقة محطتى السكة الحديد ودمروها تماماً ، وأعتدوا على القطارات المحملة بالجنود الإنجليز المسلحين، وعطلوا كوبرى قشيشة الذى يربط العاصمة بالصعيد ،وأصبح المسافرون من بنىسويف يستخدمون المراكب الشرعية ليصلوا للقاهرة فى ثلاثة أيام بلياليهم .
وفى أحداث مريرة وصادمة وغاضبة للإنجليز هجم الثوار على القطارالذى كان يحمل السير "أرثر سميث" ــ من كبار موظفى السكة الحديد ــ وقتلوه بإلقائه فى "فرن "البخار والنار للقطار !! وأحرقوا محطة الواسطى.. كما هاجم الثوار مركز البوليس الحالى بالواسطى وجردوا رجاله من سلاحهم وأستولوا عليه ، وقاموا بإنتزاع قضبان السكة الحديد الواصل بين محطتى الرقة والواسطى والبالغ مساحته 10 آلاف كيلومتر .
ووسط هذه الأحداث الدامية والغاضبة تمكن بعض الأوروبيون من ركاب القطار و النجاه بأنفسهم بما يشبه المعجزة ، ومنهم كبار الموظفين الذين فروا أمام الثوار الغاضبين والمتقاطرين من كل مكان كالجرذان المذعورة ، لكنهم قبلها أضطروا لتسليم كل ماكانوا يحملونه من متاع وأموال إلى أبناء الواسطى الأحرار والمهاجمين لقطارهم المسلح .
ويورد مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر عن الهيئة المصرية للكتاب فى إصداره بعنوان 50 " عاماً على ثورة 1919" (أنه حدث قتال ضارى فى جنوب الواسطى بين البدو وفصيله صغيرة من الجنود الهنود الذين أرسلوا من القاهرة للمحافظة على النظام وأصيب فى هذا قائد الفصيلة البريطانى بجراح بالغة وترك الجنودبغير قائد يعرف لغتهم .. ولم ينقذ الموقف إلا وصول قطار يحمل عدداً من الضباط الإنجليز كانوا عائدين من أجازة فى الأقصر).
وقد أقام الإنجليز نقاط تفتيش محصنة عند نقطة مخصوصة أمام مدينة الواسطى، وكان الجنود الإنجليز يصبون جام غضبهم على الركاب أثناء تفتيشهم وساروا ـ بعد قتل أرثر سميث ـ يطلقون الرصاص بوحشية وجنون ،ويقتلون الأهالى العزل ، وينهبون المحاصيل والأموال ، ويقتلون المواشى مما زاد الثورة إشتعالاً فى الواسطى وفى كل مكان كما قاموا بعدها بقصرمحكمة عسكر فى يونيو 1919 لمحاكمة قتلة سميث وكانت هذه القضية ولم تزل من أهم قضايا الثورة ، وفرضوا غرامات ماليه ضخمة على المنطقة .

14 خطاب من الوثائق البريطانية التاريخية تصرخ

بفزع بريطانيا العظمى من شعب بنى سو يف والواسطى انتقاماً لسعد زغلول والكرامة المصرية !!
التاج البريطانى فى الأمبراطورية التى لم تغيب عنها الشمس، صرخ جيشها وارتاع رجالها أمام مواجهة الواسطى فى الأحداث الثورية المتوالية أنتقاماً لإستبعاد البطل الأسطورة سعد زغلول ونفيه مع رفاقه بعيداً عن صدر أمه مصر .
جاء ذلك من خلال 14 خطاباً ووثيقة من القيادات البريطانية والسفراء الإنجليز أرسلوها بهلع وخوف إلى قياداتهم فى مصر ولندن ، كان أهم هذه الوثائق وثيقة الواسطى بلاجدال والتى أرسلها القائم بالأعمال البريطانى السير "ملن تشتنام " والميجر " جنرال واطسون "القائد البريطانى بمصر إلى وزير خارجيتهم "إبرل كيروزون "برقم 125 يقول فيها بالحرف عن أحداث ثورة الواسطى : ( سيدتى اللورد ومن الجنوب وردت أنباء خطيرة ..لقد هاجم عدد كبير من السكان والبدو القادمين من الفيوم بنحو7 آلاف رجل مركز الواسطى ، وجردوا رجال البوليس من سلاحهم وأستولوا على محطة الواسطى والرقة والتى تبلغ المسافة بينهما نحو 10 كم ، وكذلك فأنهم هاجموا فى الرقة القطار السريع القادم من القاهرة وحطموا نوافذه ونهبوا عربة البريد ــ كما سلبوا ركابه الأوروبين أمتعتهم وأساؤا معاملتهم وأرغموا القطار على العودة للقاهرة) .
وفى تلك الأثناء فإن قطار الصباح القادم من الفيوم تعرض للهجوم من محطة الواسطى ونجا من فيه من الركاب الأوروبين و منهم مفتش بوزارة الداخلية بأعجوبة ، وأضطروا لتسليم كل مايحملونه من متاع ومال إلى جموع المهاجمين وقد تصادف وصول مسئول بريطانى من رجال السكك الحديديه إلى الواسطى فى عربة السكة الحديد الخاصة به فأنزلته الجموع من العربة وقتلته .
كان "الميجر جنرال "قد وضع خطاً ثقيلاً بقلمه تحت كلمة الواسطى مؤكداً لوزير الخارجية أهمية هذه البؤرة الثورية والأحداث الدامية التى سببتها لقواته
المذعورة رغم كبريائها وتعمدها المغالاه فى إرهاب الثوار ومطاردتهم .
كما أرسل تشتينام فى رسالته إلى كيروزون قبلها رسالة أخرى فى مارس 1919 أكد له فيها أن أحداث قطع قضبان السكك الحديديه فى الواسطى وغيرها من أماكن الثورة قطع الأتصال مع بنى سو يف شمالاً وجنوباً سواء بواسطة السكة الحديد أو التلغراف وقال بالنص فى برقيته رقم 125 :" أن تموين القاهررة قد يكون صعباً " وهو ما أكد كتاب 50 عاماً على ثورة 1919 للرافعى .
كما ذكر المؤرخ عاصم الدسوقى أن المنطقة الواقعة بين الواسطى وبنىسويف عطل الفلاحون فيها كوبرى قشيشة وشاركهم بدو الفيوم فى الهجوم وهوماأكده الدكتور فرغلى على تسن فى بحثه عن ثورة الفلاحين فى بنى سويف عام 1919 وأن الهجوم أتجه بقوة إلى السكك الحديدية ومحطاتها واقتلاع الخطوط الحديدية فى أنحاء المديرية وحتى الواسطى وقد أمن على ذلك الدكتور المؤرخ على محديركات فى كتابه 50 عاماً على ثورة 1919 .